18/07/2020 - 22:37

حوار | تداعيات كورونا الاقتصادية: العرب أول المتضررين وآخر من سيتعافى

*الجائحة ستبقى معنا حتى آذار القادم وباب الخروج من الأزمة الاقتصادية ما زال بعيدا. *يجب أن لا ننسى أن الأزمة تضرب مجتمعا 50% منه أصلا تحت خط الفقر. *الجائحة فرصة لتحويل ترشيد الاستهلاك القسري إلى نمط حياة يومي.

حوار | تداعيات كورونا الاقتصادية: العرب أول المتضررين وآخر من سيتعافى

خلال فترة الإغلاق في دير الأسد (أرشيفية - أ ف ب)

*أمين فارس:

  • الجائحة ستبقى معنا حتى آذار القادم وباب الخروج من الأزمة الاقتصادية ما زال بعيدا.
  • يجب أن لا ننسى أن الأزمة تضرب مجتمعا 50% منه أصلا تحت خط الفقر.
  • الجائحة فرصة لتحويل ترشيد الاستهلاك القسري إلى نمط حياة يومي.

في خضم ما اصطلحت السلطات على تسميته "موجة ثانية" لجائحة فيروس كورونا المستجد، والمؤشرات على أنها قد تكون أقوى من الأولى، وعلى وقع التظاهرات الاحتجاجية التي أشعلتها الأزمة الاقتصادية، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته، يسرائيل كاتس، عن حزمة مساعدات مالية للمواطنين بقيمة ستة مليارات، بهدف ضخ بعض الدماء في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي الراكد.

ولم تحقق الخطة الاقتصادية التي أعلن عنها نتنياهو مع بداية الأزمة، والتي كان يفترض أن تصل إلى 100 مليار شيكل، الأهداف المرجوة منها في إنعاش الاقتصاد ومساعدة المصالح الاقتصادية المتضررة على النهوض، إما لأنها لم تصل إلى العناوين الصحيحة – الجهات المتضررة - أو لأنها توقفت في الطريق إليها بسبب بيروقراطية أجهزة الدولة.

وقد أغلقت "الموجة الثانية" من كورونا، أبواب الأمل التي فتحت بعد العودة إلى الحياة الطبيعية، وحكمت، على ما يبدو، على قطاعات كاملة مثل السياحة والفندقة والمواصلات بالشلل التام، بعد العودة التدريجية إلى سياسة الإغلاق.

المنطقة الصناعية في باقة بدت مدينة أشباح في ظل كورونا ("عرب ٤٨")

ويخشى نتنياهو، الذي أدار الأزمة الصحية في الموجة الأولى بنجاح، من أن يؤثر الفشل في إدارة الموجة الثانية وتفاقم الأزمة الاقتصادية على شعبيته، خاصة وأنه يتحين اللحظة المناسبة لإجراء انتخابات رابعة، تمكنه من تشكيل حكومة يمين تُيَسّر له تمرير تشريعات التفافية، تساعده على الإفلات من ملفات الفساد التي تلاحقه.

ووفقا لاستطلاع أجرته القناة 13 الإسرائيلية مطلع الأسبوع، فإن 61% من الإسرائيليين لا يوافقون على تعامل نتنياهو العام مع الوباء، و75% غير راضين عن الطريقة التي تعاملت بها حكومته مع التداعيات الاقتصادية للأزمة الصحية، فيما هبطت قوة الليكود البرلمانية إلى 33 مقعدا في الكنيست.

في غضون ذلك، يعاني المجتمع العربي الذي تقبع تجمعاته السكانية في أسفل السلم الاجتماعي - الاقتصادي، وتقع أكثر من 50% من عائلاته تحت خط الفقر، يعاني أكثر من غيره من أعباء هذه الأزمة وتبعاتها باعتباره من الفئات الأضعف التي تكون "أول من يتأثر من الأزمة، وآخر من يخرج منها"، كما يقول الباحث الاقتصادي، أمين فارس.

حول تفاقم أزمة كورونا الاقتصادية وتأثيرها على المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وكيفية مواجهة تداعياتها أجرينا هذا الحوار مع الاقتصادي أمين فارس.

"عرب 48": يبدو أننا في طوق الأزمة الصحية والاقتصادية، بعد أن اعتقدنا أننا نتجه نحو المخرج وعلى طريق عودة الحياة الطبيعية إلى الأسواق وإصلاح الأضرار الناجمة؛ ومن الطبيعي أن يدفع مجتمعنا وعُمالنا ومصالحنا الثمن الأغلى للأضرار السابقة واللاحقة؟

أمين فارس

فارس: صحيح، التأثير يبدو واضحا على كل الشرائح الاجتماعية الغنية والفقيرة، علما بأن الشرائح الفقيرة، ومجتمعنا منها، ستتأثر أكثر من غيرها، فالاقتصاد في إسرائيل ككل سيتقلص حسب توقعات بنك إسرائيل التي صدرت قبل الموجة الأخيرة بنسبة 6% من الناتج المحلي، وهذا بحد ذاته تقليص كبير، ولكن مع الإغلاق الأخير والإغلاقات اللاحقة المتوقعة، قد تصل النسبة إلى 10 - 12%.

وتصل نسبة البطالة اليوم إلى 22%، ورغم الأمل أن تتقلص هذه النسبة مع العودة إلى الحياة الطبيعية، ولكن يبدو أنها ستتفاقم مع الموجة الثانية وما يتخللها من إغلاقات وتعطيل قطاعات اقتصادية كاملة بسبب ذلك، ويبدو أن الفيروس يتغلب على كل التوقعات، وسيرافقنا بتأثيراته الصحية والاقتصادية حتى نهاية الشتاء القادم، إلى حين اكتشاف لقاحات ومضادات لوقفه.

"عرب 48": يبدو أن الخطط التي أقرتها حكومة نتنياهو لمواجهة الأزمة الاقتصادية لم تكن ناجعة بما فيه الكفاية، ونحن نرى نتيجة ذلك بالتظاهرات الاحتجاجية التي بدأت تعم الشارع؟

فارس: هي خطوات تسميها الحكومة الإسرائيلية خططا، ولكنها خطوات متتالية تتضمن الكثير من الأقوال وقليل من الفعل، فقد كان الحديث في الخطة السابقة عن رصد 100 مليار شيكل ولكن مجمل المبلغ الذي تم صرفه في الوزارات والدوائر والمصالح لم يتجاوز 47 مليار شيكل، هي مصاريف صرفتها الحكومة في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات غيرها.

حوالي 50% من المصالح التجارية العربية مهددة بالإغلاق ("عرب ٤٨")

في الواقع فإن المصالح الاقتصادية لم تحصل على ما كان من المفترض أن تحصل عليه، وأصحابها هم من يحركون الاحتجاجات في الشارع، ولذلك جرى الإعلان عن خطوة أخرى بحجم 80 مليار إضافية، ولكن الامتحان هو في التنفيذ، وهناك دائما علامات سؤال فيما إذا كانت الحكومة ستفي بوعوداتها أم لا.

"عرب 48": وماذا بشأن الهبات الأخيرة المخصصة لعموم المواطنين؟

فارس: خطوة مقترح توزيع الأموال التي أعلن عنها نتنياهو مؤخرًا، هو محاولة لتخفيف الأعباء الاقتصادية بخطوات غير مدروسة وغير مخططة جيدا، فالـ750 شيكل بالنسبة لإنسان غني ليس كما هي عليه بالنسبة لإنسان فقير، وكان حريا أن يجري التوزيع بشكل متفاوت، لمن هو بحاجة فعلا، وليس للأغنياء، وهذا سيوفر على خزينة الدولة أموالا يمكن أن تستخدمها لعلاج أو توفير احتياجات الناس المتضررة.

من جهة ثانية، فإن التجارب الاقتصادية أثبتت أن توزيع مثل هذه الأموال بعد أزمات اقتصادية كانت نجاعتها محدودة، إذ أن الكثير من هذه الأموال لا تجد طريقها إلى السوق وإنعاش الاقتصاد وإنما إلى مسارب أخرى مثل التوفيرات وتسديد ديون وغيرها.

وقد أشارت التجربة الأميركية بعد أزمة العقارات في عام 2008، أن 60% فقط من الأموال التي تم توزيعها على الناس لبعث الحياة في الأسواق تم تداولها في لتحريك العجلة الاقتصادية، في حين ذهبت 40% إلى عناوين أخرى.

"عرب 48": ما مدى تأثير الأزمة على العُمّال العرب والمصالح العربية، ولماذا هم أكثر تأثرا وأكثرا تضررا من نتائجها؟

فارس: المصالح الاقتصادية العربية والأيدي العاملة العربية مثلما هو الحال في كل جائحة أو أزمة اقتصادية، هي أول من يتضرر وآخر من يتعافى، وذلك بسبب تركيبة الاقتصاد في المجتمع العربي، المبني على التجارة بشكل خاص والخدمات المتنوعة والخفيفة.

فالعمال العرب يعملون مثلا بنسبة عالية في قطاع السياحة والترفيه، في الفنادق وقاعات الأفراح التي كانت أول من خرج من دائرة العمل و ما زالت مغلقة، كما يتوقع إغلاق المطاعم والمقاهي التي تضم الكثير من العُمال العرب أيضا، مما يعني تسريح آلاف وربما عشرات آلاف العُمال العرب.

محلات تجارية بالبلدات العربية تغلق أبوابها للأسبوع الخامس ("عرب ٤٨")

كما أن الكثير من العمال العرب يعملون بالمياومة وبشكل غير منظم، وهؤلاء أول ضحايا الأزمة، وهم ينتمون إلى مجتمع تقع 53% من عائلاته تحت خط الفقر، حيث سيزداد الفقير فقرا والمهمش تهميشا.

"عرب 48": ولكن السلوك الاجتماعي حتى الآن لا يشير إلى ضائقة؟

فارس: الضائقة قائمة على مستوى الفرد والعائلة وإن كان لا يتوفر أبحاث وأرقام حولها حتى الآن، وهي تتمثل بتأجيل مشاريع ومخططات مستقبلية وغير ملحة والتركيز على الأمور الحياتية الضرورية، علما بأننا مجتمع متكافل، ولكن الأمور في طريقها إلى التفاقم.

"عرب 48": ربما ما يعزي العرب أن فرع البناء الذي يُشغِّل الكثير من العُمال العرب لم يتضرر كثيرا؟

فارس: السبب ليس له علاقة بالعرب، بل بالمؤسسات التمويلية والبنوك الغارقة فيه (قطاع البناء) حتى أذنيها، ولذلك هي تحافظ عليه بشكل كبير وتحول دون إحداث أي ضرر به حتى من قبل الحكومة، بسبب سلسلة الالتزامات الواسعة.

ولكن هناك ضرر يتمثل في تباطؤ المشاريع الجديدة وفي تسويق العقارات وهناك معطيات واضحة بهذا الصدد.

"عرب 48": هناك ركود اقتصادي يؤدي إلى بطالة، نحن أولى ضحاياها وهو وضع متواصل وقد يستمر لأشهر طويلة قادمة، كيف نستطيع مواجهته كمجتمع؟

فارس: يفترض ملاءمة الاستهلاك لمستوى الدخل والاستغناء عن الكثير من المصروفات الزائدة والكماليات، الأزمة تخلق فرصا أحيانا وهي فرصة لترشيد الاستهلاك، الذي طالما تحدثنا عنه، وتحويل الترشيد القسري الذي فرضته الجائحة في مجال الأعراس والقاعات والاحتفالات والبذخ المبالغ به والرحلات السياحية والكثير من المظاهر الكاذبة، تحويله إلى نمط سلوكي طوعي بعد الكورونا أيضا.

لا يعقل أن يستمر مجتمع فقير في العيش وكأنه أغنى أغنياء الكون، من مظاهر إسراف وبذخ وبهرجة، وهو ما يؤدي بالتالي إلى الاستدانة والقروض من البنوك ومن السوق السوداء ويفضي إلى العنف والجريمة، فجميعنا نعرف ما هي الأسباب الرئيسية التي تقف من وراء العنف والجريمة ولا أحد يؤيد ويستطيع وقف المنافسة الاقتصادية الشرعية وغير الشرعية التي تنزلق إلى تلك المنزلقات.


*أمين فارس: خبير ومستشار اقتصادي يعمل في مجال التطوير الاقتصادي في القطاعين الخاص والعام، ويعمل كمستشار اقتصادي للعديد من السلطات المحلية العربية والمؤسسات الاجتماعية، بجانب عمله الأساسي مع المصالح الاقتصادية الخاصة، كمستشار ومطور مشاريع.
له مجموعة من الأبحاث والدراسات الاقتصادية الرائدة التي تناولت قضايا اقتصادية واجتماعية هامة في المجتمع العربي، وفتحت الباب أمام أبحاث ومشاريع لاحقة من قبل العديد من المختصين والمؤسسات العربية: دراسة "الفقر وسوق العمل" ودراسات حول حصة العرب بميزانية الدولة وغيرها.

التعليقات